ليالي الفقد
ما أثقل الليالي حين يغيب عنها من كانوا يملؤونها نوراً وحضوراً، وما أضيق القلب على تحمّل جراحات فقدٍ موزّعة، خصوصاً إذا كان الفقد لرجلٍ لا يشبهه أحدٌ، فهو أبٌ عطوف، وعمٌ حنون، وصديقٌ صدوق، وكأن القدر نظر إليّ فوهبني ما أتمنى ثم انهار كلّ شيء دفعة واحدة، فصرت كمن يحمل في قلبه ثلاثة قبور لا تُرى بالعين ولكن الروح تعرف أماكنها جيداً.
إن الفقد ليس مجرّد غياب الجسد، بل غياب ما تمثله الروح التي تسكنه، وكان غياب أبي وعمي وصديقي غياب أرواح متعددة في جسد واحد، فهو يعرف جيداً كيف يُسرّب الفرح إلى قلبي، كما يتسلل الضوء إلى غرفة أُغلقت دهراً، ورغم صغر شأني أمام جلال محبته، كان يقاسمني السرّ والتعب، ويشاطرني الصمت والحديث، وإذا جلستُ بين يديه شعرتُ أن للأمان هيئة رجل، وللحنان ملامحٌ لا تخفى، تتدلّى من كفيه حكايات الزمن، ومن صمته حكمة توازن ابتلاءات الحياة.
وما إن رحل، حتى صرت أفتش في الطرقات عن صدى صوته، أو بقايا نصيحته، باحثاً عنه في فراغ يُثقل معنى الغياب، ممسكاً بكف الذكريات التي تعيد لي وجهه كما كان لا كما غيّره الصبر.
إلى روحك، يا من كنت لي أباً وعماً وسنداً شآبيب الرحمة والرضوان ولأرواحنا المتعبة الصبر والسلوان، اللهم أفرغ علينا من صبرك فقد تشابك الحزن في قلوبنا كعروق شجرة معمّرة، ولا تُفجعنا بمن نُحب بحق أمير المؤمنين عليه السلام.
- سيعجبك أيضاً
